الاثنين، يوليو ٠٤، ٢٠٠٥

انها امريكا يا غبى



04 / 07 / 2005
سعد محيو
"حين تتغير الحقائق، أغيّر رأيي فوراً".(جون ماينارد كاينز)
منذ نهاية الحرب الباردة وأمريكا حائرة وتحير العالم معها. فهي تارة تدعو، كما مع الرئيس بوش الأب، إلى نظام عالمي جديد يستند إلى وقائع القوة ومصال الدول الامم. وهي طوراً، مع الرئيس كلينتون، تبشّر بعالم ليبرالي مسالم متعلوم يقوده "الاقتصاد أيها الغبي". هذا في حين اننا مع الرئيس بوش الابن أمام خليط غير مفهوم من أفكار القوة التي طرحها والده، وقوة الأفكار التي يطرحها الآن المحافظون الجدد.لماذا هذا التذبذب الامريكي الخطر، خلال عقد واحد، بين هذه التوجهات المتباينة؟البروفيسور ستيفن وولت يعتقد ان السبب بسيط: أمريكا منذ تأسيسها في نهاية القرن الثامن عشر، كانت تتنقل بانتظام تقريباً بين ثلاث نظريات كبرى حيال العلاقات الدولية: 1- الواقعية، التي تركّز على التوزيع المتغير دوماً للقوة بين الدول، أي على موازين القوى. 2- الليبرالية، التي تعلي من دور الحرية والديمقراطية في الحفاظ على السلام العالمي. 3- والمثالية (أو البنائية)، التي تقول ان تغيير الأفكار يؤدي إلى تبديل الأفعال. وهذا يتضح من التغيرات التي تطرأ على العالم في كل حين تتبدل فيه المفاهيم حول الدين، او السيادة القومية، أو حقوق الإنسان، أو العدالة الدولية.حسناً.. أمريكا تتذبذب بالفعل بين هذه التوجهات الكبرى الثلاثة. لكن وولت لم يقل لنا لماذا يحدث ذلك للامبراطورية الامريكية وحدها، في حين أن باقي الامبرطوريات الأخرى في التاريخ استقرت تقريباً على نظرية واحدة.حقاً لماذا؟ الأرجح أن الأمر أساساً يعود إلى القوة الهائلة للنزعة البراغماتية في التاريخ كما في العقل الامريكي. فالمستوطنون الاوروبيون البيض حين وصلوا إلى امريكا، وجدوا قارة شاسعة المساحة، متعددة المناخات، ومتنوعة المخاطر. مع هذه البيئة، لا سبيل لسيطرة فكرة واحدة او توجه واحد على جداول الأعمال. ولذا كان المعيار الوحيد لصعود او هبوط فكرة ما هو النجاح: إذا نجحت نظرية القوة (الإبادة) مع الهنود الحمر ومع الولايات الجنوبية (الحرب الأهلية)، فليكن. وإذا كانت الليبرالية البروتستانتية كافية لدمج المهاجرين الألمان وغيرهم، مع المهاجرين الانغلو- ساكسون، فليتم تبنيها. ثم لاحقاً: إذا ما كانت المثالية المتجسدة في حركة الحقوق المدنية خلال ثلاثينات القرن العشرين، كافية لإرضاء اليهود وإسكات السود، فمرحباً بها.الفعالية هي الأساس في العقل الامريكي، والباقي مجرد زينة يمكن استخدامها لتجميل توجه بشع، أو لزيادة الوجه المثالي الجميل جمالاً كوسيلة "براغماتية" إضافية لمحض النظام الأمريكي مزيداً من الشرعية.هذا قد يكون المفتاح الاهم لفهم السياسات الامريكية. وهكذا كان الامر من جورج واشنطن إلى جورج بوش.هل كان المفكر الرأسمالي الكبير جون ماينارد كاينز يفكر بأمريكا، حين قال انه يغير رأيه فوراً حين تتغير الحقائق؟حتماً، حتماً!

ليست هناك تعليقات: